رُغمَ تحفّظ المراقِبِ عن كثب للسلوك العام في مجتمعنا على عددٍ من الممارسات السلبية اليومية، والتي تمارسها قِلّة غير مُلتزمة تَحسبُها كثرة لأثر أصداء أفعالها، فإن العديد من القيم الحميدة ما زالت راسخة في المجتمع، ومنها موضوع التكافل.
في الظروف العادية والصعبة، التكافل مهم.
في الظروف العادية يُقوّي التكافل العلاقات الإيجابية بين الناس ويُشيع ثقافة الودّ والمحبة وصلة الرحم والتعاضد والتضامن.
أما في الظروف الاقتصادية الصعبة، كالتي نعيشها الآن بسبب الجائحة وبسبب الركود الاقتصادي السائد منذ مدة، فيزداد التكافل أهمية، وبالذات على البعدين المعيشي والاقتصادي. ففي هذه الظروف تعاني العديد من الشرائح الفقيرة والأقل دخلاً من إشكالات مالية وحياتية كثيرة بسبب شحّ مواردها وارتفاع الكُلَف.
فتكون الحاجة لتدخّل الأقارب والأصدقاء والجيران وأهل الخير كبيرة.
لا شك بأن العناية بالفقراء وأصحاب الدخول المحدودة، لا بل والمواطنين عموماً، هي مسؤولية الدولة في المقام الأول من خلال النهوض بالاقتصاد والذي تتولد عنه فرص عمل سواء لمن لم يجدوها بعد أو لمن يبحثون عن فرص عمل أنسب دخولاً.
لكن، وفي ذات الوقت، فإن الوقوف إلى جانب من هم بحاجة للعون والمساعدة هو مسؤولية مجتمعية تقع على عاتق الشركات والأعمال ومؤسسات المجتمع وعلى الأفراد القادرين.
الحاجة واضحة أمامنا وضوح الشمس.
هنالك ارتفاع جوهري في نسب الفقر والبطالة نتيجة الجائحة ونتيجة الأزمة الاقتصادية المحلية والعالمية، ونتيجة ظروف إقليمية ودولية تؤثر فينا على نحو مباشر.
هنالك أعداد كبيرة من خريجي الجامعات، من الداخل والخارج، ممن لا يجدون فرص عمل مناسبة رغم سعيهم لما يمكن أن يسدوا به رمق العيش.
وهنالك طلبة على مقاعد الدراسة ممن لا يستطيعون تسديد الرسوم وتغطية مصاريف التنقل والكتب الدراسية؛ وهنالك مواطنون تراكمت عليهم الإيجارات والأقساط والشيكات والديون؛ وهنالك من فقدوا أعمالهم من موظفين ومستثمرين بسبب الجائحة؛ وهنالك، وهنالك...
والحق يقال بأن من يُقدِّمون للآخرين في مجتمعنا، بدافع الخير والشهامة والكرم وإيماناً بمبدأ التكافل، هم كثر؛ وهذا من أهم سمات ثقافتنا الإيجابية والتي تستمده من تعاليم وقِيَم الدين الحنيف.
وهو أمر نلاحظه على مدار العام. وإذا كان البعض لا يراه، فذلك لأنّ العديد من الناس يفعل الخير ويقدم العون والمساعدة دون الإعلان عن ذلك، وهذا مبدأ صائب وحكيم حفاظاً على خصوصيات الناس وكرامتهم.
لكننا نلحظ أن الخير يعمّ والتكافل يزداد زخماً ومتانة في شهر رمضان الفضيل، من صلة رحم، أو موائد إفطار موجهة للشرائح الأقل دخلاً، أو زكاة أو صدقات أو تبرعات وغيرها من أفعال خيّرة تُعين الناس على قضاء حوائجهم.
ونشيد هنا بموائد الإفطار التي تقيمها الجامعات والشركات والجمعيات والمؤسسات بأنواعها تكريماً للطلبة، وبالذات البعيدين عن أهلهم، والأيتام والفقراء. والفائدة هنا مزدوجة: تفريجُ همٍّ من ناحية، وود وتعاطف ومحبّة من ناحية أخرى.
وهذه ثمرة من ثمار شهر رمضان، والتي نرجو أن يستمر الناس في قطافها خلال العام، تجسيداً وتعزيزاً لمبدأ التكافل.